البابا أوربان الثاني يشعل نار الحروب الصليبية
نواصل في هذا المقال استعراض الدوافع والأسباب التي وقفت وراء الحروب الصليبية، حيث استعرضنا في المقالين السابقين خمسة دوافع، وهي الدوافع الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأخيرا العامل المرتبط بتبدل ميزان القوى في حوض البحر المتوسط، وفي السطور القادمة نواصل عرض باقية الدوافع:
سادساً : استنجاد إمبراطور بيزنطة بالبابا أوربان الثاني : استنجاد الإمبراطور الكسيوس
كومنين [ 1081- 1118م ] بالبابا أوربان الثاني ضد السلاجقة ، لم يكن هذا الاستنجاد في الحقيقة الأول من نوعه بل سبقه استنجاد الإمبراطور [ ميخائيل السابع ] بالبابا [ جريجوري السابع ] عقب موقعة ملاذكرد 463ه السالفة الذكر ، فالمعروف أن شن الحرب على الترك كان من الأغراض التي تنطوي عليها الدعوى البيزنطية ، فالأناضول يعتبر أكثر أهمية من بيت المقدس عند الدولة البيزنطية [1] ، ولذلك لما أصبحت عاصمة البيزنطيين مهددة من قِبل السلاجقة كان لزاما على الإمبراطور أن يستنجد بالغرب في مقابل اتحاد الكنيستين الشرقية والغربية ، وقد أرسل البابا جريجوري السابع إلى الإمبراطور ميخائيل السابع رداً مرضياً بدافع العاطفة المسيحية من جهة ، وبدافع سياسي من جهة أخرى ، فما يحشده من جيش سوف يقضى على الانشقاق بين الكنيستين ويزيد من نفوذ البابوية في الشرق مثلما زاد في الغرب ؛ غير أن الحرب التي نشبت بين جريجوري السابع والإمبراطور [ هنري الرابع ] منعته من المضي في مشروعه ولما خلف الإمبراطور [ الكسيوس كومنين ] الإمبراطور ميخائيل السابع ، بعث برسالة إلى البابا أربان الثاني وإلى كبار رجال الإقطاع سنة 478ه يدعوهم لإرسال المساعدات لنجدة إخوانهم في الشرق وحماية القسطنطينية ضد الخطر السلجوقي [2] ، ولقد كان [ الكسيوس ] يرغب في أن يبعث له الغرب ببعض الجند المرتزقة ولكن البابا أوربان لم يشأ أن يجعل نفسه في خدمة الدولة البيزنطية ، بل أراد أن تتولى البابوية تقديم المساعدة للمسيحيين في الشرق ، وهذا التغيير في الفكرة يؤدي إلى أن يحشد العالم المسيحي اللاتيني جيشاً ضخماً ، لا أن يبعث بجنود مرتزقة تخضع لأهواء الأمراء وتتحكم في تصرف البابا لصالح الإمبراطور ميخائيل السابع ، وهنا تبرز أهمية الإبداع والتفكير واقتناص الفرص وتسخير الوسائل في خدمة مشروعهم وعلينا أن نستفيد في هذا الدروس الكثيرة لخدمة المشروع الإسلامي ، وأثار هذا الاختلاف في التفكير من المتاعب ما أساء العلاقات بين البيزنطيين والصليبيين ، والثابت تاريخياً أن المسئول الأول عن قيام الحركة الصليبية هو البابا أوربان الثاني ، فهو الذي أنذر بقيام تلك الحروب [3] ؛ يؤيده في دعواه الجهاز الكنسي في الغرب ، وينسب إليه جميع المؤرخين اللاتين المعاصرين له ، الدور الرئيسي في تحقيق هذه الفكرة [4]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الحروب الصليبية د. علية الجنزوي ص 253.
2- الحرب والروم اللاتين (1/150).
3- الحروب الصليبية د. علية الجنزوي ص 254.
4- المصدر نفسه ص 254 العرب والروم اللاتين (1/56).